أختبر
في الفترة الأخيرة الكثير من المشاعر السيئة والمتشابهة، والتي في كثير من الأحيان
يصعب علي التمييز بينها، وغالبًا ما كنت أطلق اسما واحدا على جميع مشاعري السيئة،
وهو الفشل.
ولهذا
السبب (فشلت) حقا في تعريف هذه المشاعر، وبالتالي فشلت في فهم مصدرها وكيفية
تعاملي معها، وأعتقد أن كثيرًا من الأشخاص يقعون في هذا الفخ، وهو عدم فهمهم
الكافي لمشاعرهم لدرجة أنهم لا يستطيعون تسميتها بأسمائها الصحيحة، عدا عن فهم
مصدرها وبالتالي التعامل معها.
حينما
لا نطلق الاسم الصحيح على ما نشعر به، فنحن في تحديّات مستمرة لاختبار ذات الشعور
في كل مرة، فمثلًا حين تصاب بالإخفاق في عملك فأنت تشعر بالإحراج الشديد من مديرك
أكثر من شعورك بالإخفاق أو الفشل في مهمتك، ولكنك في هذه اللحظات تطلق على شعورك
اسم الفشل بينما أنت في الحقيقة تعاني من إحراجك الشديد، ستحاول جاهدًا عمل كل
الحلول التي تنقذك وتجعلك ناجحًا لتتخلص من شعور الفشل السقيم، ولكن لا فائدة لأن
شعورك الأساسي هو الإحراج وأنت لست مدركا لذلك، ولهذا السبب ستتعرض للكثير من
الإحراجات بلا وعي منك، وستقول لنفسك في كل مرة "كالعادة! ما سويت شي
جديد"، وهذا مجرد مثال على تسميتنا لمشاعرنا بغير أساميها الحقيقية.
هل
تدري لماذا كل هذه المعاناة؟ بسبب أمر بسيط جدا، وهو عدم إدراكك لشعورك الحقيقي،
دائما ما كنت أطلق مصطلح الفشل على الكثير من المشاعر السيئة التي أمر بها، مثل
الغضب/الغيرة/الضياع/الفقد، ولكن ترجمتي الموحدة لمشاعري جعلتني أضعها كلها في
قالب واحد وبالتالي التعامل معها جميعا بذات الطريقة! الأمر الذي جعلني لا أفهم
ولا أعالج ولا أتعامل مع أي منهم.
حين
بدأت أدرك أن لكل شعور -مهما بدا صغيرًا- اسمًا مختلفا عن الآخر، ومصدر تشكّل من
خلاله، ومواقف أنبتته، بدأ طريقي في التحرر من الكثير من المشاعر التي كنت أدور
فيها كدائرة حتمية لا تنتهي، وظننتُ أنني وُلدت هكذا وسأموت هكذا، وبأن هذه
المشاكل مكتوبة علي، ظننتُ أنها شيء من شخصيتي وجزء لا يتجزأ من تكويني، لم أعتقد
أبدًا أن المشكلة تكمن في الخطوة الصغيرة بتسمية مشاعري بأساميها الصحيحة!
لن
أكذب عليك، الأمر ليس بتلك السهولة، وأنا إلى الآن لا زلت أتدرب على ذلك، وقررت أن
أستقطع وقتا مخصصا يوميا للجلوس مع نفسي ومحاولة إدراك مشاعري الصغيرة والكبيرة
التي أمرّ بها، وتسميتها بأساميها الصحيحة بكل شفافية مهما بدا ذلك قاسيًا ومؤلما،
لأن في بعض الأحيان نطلق الأسماء بشكل كاذب لأنها تكون أقلّ قسوة من الحقيقة، لكن
في هذه المرحلة -مرحلة الجلوس مع المشاعر- لا بد أن نواجه أنفسنا ونكون حقيقيين
أمام أنفسنا وبلا أقنعة، ونكتب ما نشعر به بشفافية، وإن كنت غير قادر على تسمية
الشعور بدقّة، فعلى الأقل اكتب ما تشعر به بالضبط، مهما بلغ شعورك من بشاعة، أو
شعرت بأنك لا ترغب في مواجهة هذا الشعور، ولكن فكّر بأن هذه العملية هي الخطوة
الأولى في الخلاص منه.
في
كثير من الأحيان لا أستطيع إطلاق اسم مناسب على شعوري، وغالبًا في هذه الأحيان لا
أكون أعرف ماهيّته بالضبط، ولذلك أبدأ بالكتابة عنه والحديث عن تفاصيل المشاعر
التي أشعر بها، ولماذا شعرت بذلك وكيف ومن هم الأشخاص المشاركين في قصة هذا
الشعور، غالبًا في نقطة معيّنة من الكتابة أكتشف سرّا يكمن خلف طبقات هذه
التراكمات، وأكتشف هناك المصدر الأساسي للشعور، فأستطيع من خلاله اختيار الاسم
المناسب له.
ولكي
أكون صريحة معك بما يكفي، فأنا بدأت بالكتابة عن مشاعري قبل عام تقريبًا ولكن ليس
بهدف استكشاف مشاعري أو إطلاق الأسماء عليها، ولكن بهدف تفريغ المشاعر إلى شيء
خارجي لأخفف عن نفسي حِملها، ولكن مع الاستمرار في هذه العملية الكتابية أدركت أن
الكثير من الأمور تتوضح وتنفرج حين أُخرج الشعور من داخلي وأجعله أمامي وأتأمله من
الخارج، وشيئا فشيئا أصبحت أؤمن أن الطريق الأول للتحرر من المشاعر السيئة هو
فصلها عن داخلي المتهالك، لأراها من الخارج بنظرة أكثر حيادية، ولأستطيع إطلاق الأسماء
الصحيحة عليها، لأفهم بعد ذلك مصدر هذه المشاعر، بل وأتعامل معها بتلقائية، كأنها جزء
مني وصديقة لي لا عدو.
بعض
المشاعر تحتاج لأكثر من مواجهة وأكثر من جلسة وأكثر من كتابة، فأجد شعورًا ما
يطاردني يوميا في جلساتي الكتابية، ولكن هناك فرق كبير بين الجلسة والأخرى، وهو أنني
في كل مرّة أدخل في عمق أكبر بداخل شعوري، أزيل الطبقات المتراكمة من فوقه حتى أصل
إلى جذره، هذا الوصول الذي قد يحدث من أول مرة في بعض المشاعر السطحية أو الخفيفة،
لكن ماذا عن كل تلك السنوات التي تجاهلتُ فيها مشاعري؟ فضلًا عن كوني إنسانة كتومة
من الدرجة الأولى، فعلى الأقل هنالك أشخاص يفرّغون مشاعرهم عند الآخرين وهذا
يجعلهم -بإدراك أو بلا إدراك منهم- يفهمون مشاعرهم أو بعضها، أما في حالتي فعدا عن
كوني لا أتكلم مع الآخرين بشأن أموري الموجعة، فأنا لا أواجه حتى نفسي بل وكنت من
مناصري الفكرة التي تقول بأن إعطاء الشعور مساحته وأهميته يعني تضخيمه في حياتي،
وبالتالي كان التجاهل هو الحل الأول لأي شعور سيء يعترض طريقي، ولذلك فأنا لديّ
الكثير من التراكمات الشعورية وأتفهّم ذلك، وأتفهّم لماذا أحمل شعورا متكررا في
جلساتي الكتابية، لكن هنالك فرق جوهري بين ريم بالأمس وريم اليوم، إن ريم بالأمس
كانت تظن أن هذه المشاعر جزء من شخصيتها، ولد معها وسيموت معها، ولكنها الآن تفهم
تركيبة هذا الشعور وتتقبله وتعي أنه متراكم وتم تجاهله لفترات طويلة، وتتأكد من
ذلك حين تكتشف في كل مرة أبعادا جديدة من هذا الشعور، فهو لا يشبه الشعور ذاته حين
اكتشفته في بداياته، وهذه نقطة مهمة جدا، فأنت حين تتجاهل مشاعرك ستدور في ذات
الدوامة وفي ذات المشاعر بلا أي فهم لها، وبالتالي وقوفك في مكانك، أو بمعنى أصح
وقوف وعي مشاعرك في مكانه، ولكن حين تبدأ بالتعامل معها وإعطائها القليل من
المساحة والوقت، فأنت في كل مرة ويومًا بعد يوم تتقدّم إلى نسختك الجديدة، النسخة
المطوّرة والأكثر وعيًا، ليصبح لديك فهم كافٍ عن تجاربك القديمة، مشاعرك المؤلمة،
دورك الحالي، وطريقة تعاطيك مع مشاعرك المؤذية في المستقبل.
أقولها
لك بكل حب، التفريغ الكتابي هو من أنقذني في مرحلة ما، وهو من يؤنسني في هذه
المرحلة، وهو من جعلني أتعامل بشكل تلقائي ولطيف جدا مع مشاعري الأكثر بشاعة،
وغالبًا في اللحظات المؤلمة قد نظنّ بأننا أشخاص سيئون أو وحيدون، ولكن التفريغ
الكتابي سيجعلك تشعر بأن كل هذه المبالغات ماهي إلا تراكمات قديمة جدا من مشاعرك
على مرّ السنين، وماهي إلا فقاعات كبيرة ومتشابهة، ستنفجر بسهولة عند أول كتابة
تقوم بها للتفريغ عن شعورك، وستستمر في الانفجار في كل مرة تكتب فيها.
نقطة
أخيرة: لا أقصد بالكتابة أن تنمّق الكلام وتنشره وتشاركه مع الآخرين، بل أقصد بالكتابة
أن تقوم بصياغة صوتك الداخلي على الورق، لنفسك ومع نفسك، كآلة تفريغ تستطيع من
خلالها النظر لما في داخلك أمام عينيك، وتتعامل معه بحيادية.